سأظل أحلم بهذا الوطن الجميل. فيه رجال أنيقون ظرفاء ونساء رقيقات يتحدثن كالأطفال وصغار يحلمون كما يلعبون







سكر الأرض

Thursday, April 28, 2011

أسعد لحظة - د. مصطفى محمود




سألت نفسي عن أسعد لحظة عشتها ..؟؟
ومر بخاطري شريط طويل من المشاهد ... كل مشهد يحمل لحظة سعادة .... وبعد أن أستعرضت كل المشاهد قلت في سري ... لا ... ليست هذه ....
بل هي لحظة اخرى ذات مساء ... لحظة اختلط فيها الفرح بالدمع بالشكر بالبهجة بالحبور حينما سجدت لله فشعرت أن كل شيء في بدني يسجد ... قلبي يسجد ... عظامي تسجد ... أحشائي تسجد ...عقل...ي يسجد ...ضميري يسجد ... روحي تسجد...
حينما سكت داخلي القلق وكف الاحتجاج ورأيت الحكمة في العدل فارتضيته، ورأيت كل فعل الله خير، وكل تصريفه عدل، وكل قضائه رحمة، وكل بلائه حب ... لحظتها أحسست وأنا أسجد أني أعود إلى وطني الحقيقي الذي جئت منه وأدركت هويتي وانتسابي وعرفت من أنا ... وأنه لا أنا ... بل هو .... ولا غيره...
انتهى الكبر وتبخر العناد وسكن التمرد وانجابت غشاوات الظلمة وكأنما كنت أختنق تحت الماء ثم أخرجت رأسي فجأة من اللجة لأرى النور وأشاهد الدنيا وآخذ شهيقا عميقا وأتنفس بحرية وانطلاق ... وأي حرية .. وأي إنطلاق يا إلهي ... لكأنما كنت مبعدا منفيا مطرودا أو سجينا مكبلا معتقلا في الأصفاد ثم فك سجني ... وكأنما كنت أدور كالدابة على عينيها حجاب ثم رفع الحجاب ...
نعم ... لحظتها فقط تحررت.
نعم ... تلك كانت الحرية الحقة ... حينما بلغت غاية العبودية لله. وفككت عن يدي القيود التي تقيدني بالدنيا وآلهتها المزيفة ... المال والمجد والشهرة والجاه والسلطة واللذة والغلبة والقوة ...
وشعرت أني لم اعد محتاجا لأحد ولا لشيء لأني أصبحت في كنف ملك الملوك الذي يملك كل شيء ...
كانت لحظة ولكن بطول الأبد ... نعم تأبدت في الشعور وفي الوجدان وألقت بظلها على ما بقي من عمر ولكنها لم تتكرر ... فما أكثر ما سجدت بعد ذلك دون أن أبلغ هذا التجرد والخلوص وما أكثر ما حاولت دون جدوى ... فما تأتي تلك اللحظات بجهد العبد ورغبته بل بفضل الرب ...
ولقد عرفت في تلك اللحظة أن تلك هي السعادة الحقة وتلك هي جنة الأرض التي لا يساويها أي كسب مادي أو معنوي
يقول الله سبحانه لنبيه عليه الصلاة والسلام (واسجد واقترب) 19 – العلق.
................................
دكتور مصطفى محمود
من كتاب السؤال الحائر

Friday, April 22, 2011

الثورة الضاحكة

Wednesday, April 06, 2011

عشان ولادنا ...هنبنى بلدنا

إلى «حليم» بعلم الوصول



هذه الرسالة وجدتها قوات الأمن على قبر المطرب الأسطورة عبدالحليم حافظ في أبريل 2008 بعد بلاغ من مجهول، وتم ضمها لأوراق التحقيق مع مَنْ أُلقى القبض عليهم من شباب ستة أبريل

صديقى العزيز عبدالحليم حافظ.. لا تتصور مدى سعادتى عندما سمعت من زملائى عن قرارك التاريخى بأن تشاركنا فى إضراب ستة أبريل هذا العام، الذى تأخرت فى زيارتك هذا العام بسبب انشغالى فى التحضير له؟ يا الله يا حليم. قرارك يا صديقى جاء فى الوقت المناسب بعد أن كدنا نختنق من حصار الأمن وخذلان النخبة وطناش الناس ورعب الأهل وتشرذم الأصدقاء وتنظيرات الذين ظلوا سنين يلوموننا لأننا ننصرف عن قضايا بلدنا وها هم الآن يركبون على أكتافنا لكى ينظروا ويحللوا ويصادروا علينا حقنا فى الخطأ والتعلم من الخطأ، وفى وسط كل هذا كنا نحتاج إليك يا حليم، لكى تقف معنا، كما وقفت معنا فى كل معركة حب كسبناها أو خسرناها دون أن نخسر أنفسنا وقدرتنا على الحب والأمل،

الآن يا صديقى نعلم أننا سنكون أقوياء بك، وأنهم عندما يعتقلوننا ويوجهون لنا تهمة زعزعة الاستقرار سنصدرك فى وجوههم وسنغنى معك بأعلى حسِّنا: «مش سهل على الشبان.. يسهوا عن الأوطان.. قالوا الحياة غالية.. قلنا الشرف أغلى.. بلادى يا بلادى.. يا عيون قمر الربيع.. اندهى يا بلادى يجاوبك الجميع».

عارف يا حليم.. لنا صديق نضيق أحياناً بتنظيراته الجوفاء يدّعى أنك قررت أن تشارك معنا فى الإضراب لأن ضميرك مثقل بوزر الغناء للحكام، وأصدقاءنا اندفعوا معه فى نقاش حامى الوطيس دفاعاً عنك، وقالوا له إنك لو كنت موجوداً بيننا الآن لما غنيت لأى جمال أياً كان، حتى لو كان جمال عبدالناصر، وعندما طلبوا رأيى بعد أن لاحظوا صمتى، ولأننى أعرف صديقى حق المعرفة، اكتفيت بأن أغنى بأعلى صوتى: «إن مت يا أمى ماتبكيش.. راح أموت علشان بلدى تعيش.. وإن طالت يا أمَّه السنين.. خلّى إخواتى الصغيرين.. يموتوا زيى فدائيين.. وأموت أعيش.. مايهمنيش.. وكفاية أشوف علم العروبة باقى»، وكنت تجىء لتشوف صديقنا وصوته يعلو بالبكاء والغناء معنا، فقد حكى لى كثيراً كيف كان أبوه بطل حرب أكتوبر يغنى هذه الأغنية لهم دائماً فى طفولتهم قبل أن يكبروا ويصبحوا عاطلين عن العمل ولا يطيقون سماعها، وقبل أن يموت أبوهم نفسه من الإهمال فى مستشفى حكومى، ويغرق ابنه الأكبر فى عبَّارة متهالكة فى البحر الأحمر، ويغرق ابنه الأوسط فى مركب هجرة غير شرعية فى البحر الأبيض، ويغرق ابنه الأصغر صديقنا فى بحر أحزانه وهو يرى الأرض التى حررها أبوه وقد صار محرماً عليه أن يسير فيها بحرية ما لم يكن يمتلك ثروة أو نفوذاً.

أعترف لك يا صديقى بأننى كنت أيضاً أضيق بأغانيك الوطنية، بل بكل الأغانى الوطنية، فأنا ابن مرحلة أصبحت فيها الوطنية سخفاً وطنطنة ومزايدة، بعد أن اختطفت لتكون ستاراً لكل صاحب منفعة واقترنت باسم الحزب الذى أفقر المصريين وأمرضهم وأغرقهم فى الجهل، فأصبح الناس يفضلون أن يسخروا من الوطن على أن يغنوا له، ويستسهلون نعيه ورثاءه بدلاً من أن ينفخوا فيه الروح لكى ينهض وينهضوا معه بدلاً من أن يموتوا مختنقين تحت جثمانه، لكنك من حيث لا تدرى فتحت لى ولجيلى أبواب الأمل يا صديقى عندما فتحنا أرواحنا لك وللأبنودى ولبليغ وأنتم تغنون لموال النهار: «والليل يلف ورا السواقى زى ما يلف الزمان وعلى النغم.. تحلم بلدنا بالسنابل.. تحلم ببكرة واللى هيجيبه معاه.. تنده عليه فى الضلمة وبتسمع نداه.. تصحى له من قبل الأدان.. كل الدروب واخدة بلدنا للنهار.. وإحنا بلدنا للنهار.. بتحب موال النهار.. لما يعدى فى الدروب.. ويغنى قدام كل دار»، فحلفنا يا صديقى ألا نسلم أنفسنا ليأس الهزيمة وألا نترك أحداً ينتفع من يأسنا ويستقوى بضعفنا ويزداد ثراء بفقر أرواحنا، وقررنا أن نسير ولو وحدنا فى طريق العبور الجديد لنصنع مستقبلنا بأيدينا ونحلم بنصر جديد على الفساد والظلم والجهل والتطرف، يصحبنا صوتك وأنت تغنى مع محسن الخياط وبليغ لمصر التى لم ولن تكون أبداً ملكاً لحاكم أو منتفع: «لفى البلاد يا صبية.. لفى البلاد يا صبية.. بلد بلد.. باركى الولاد يا صبية.. ولد ولد.. ده المهر غالى وهيجيبوه.. لو نجم عالى.. فى السما راح يقطفوه.. يا فرحتك ساعة ماييجوا يقدموه.. ويغنوا للفجر اللى فى عينيكى اتولد.. ده النصر مهرك.. والعريس ابن البلد».

ويا صديقى عبدالحليم حافظ.. حتى لو لم يأت هذا النصر فى حياتنا.. سنكون سعداء ونحن نرى الأجيال المقبلة تحتفل به معك. طبت حياً وميتاً يا حليم