سأظل أحلم بهذا الوطن الجميل. فيه رجال أنيقون ظرفاء ونساء رقيقات يتحدثن كالأطفال وصغار يحلمون كما يلعبون







سكر الأرض

Thursday, January 18, 2007

جريمة في حق الوطن

دائما ما اتذكر صورة لاتفارق خيالي كلما فكرت في هذا الوطن ... صورة عم عطيه ... انه فلاح بسيط بزيه التقليدي المعهود.. في وجهه رسم الزمن خطوطه .. يداه سمرتان لون ارضه.. قويتان خشنتان تشعر بالتواضع عندما تضع يدك في يده الضخمة وانت تسلم عليه .. قدماه نحيلتان باصابع مشوهه ملأ باطنها الشقوق ... لا يملك سوي جلباب واحد بالي بلونه الزيتي الباهت تحته يرتدي سروال فضفاض وصديري مقلم بالطول به جيب واحد.. هذا الجيب لم يحمل محفظة نقود قط.. بل دائما ما يضع فيه عم عطيه لفافه من التبغ يدخنها بعد يوم شاق وطويل وقت الغسق وهو متكئ علي شجرة الجميز الكبيره بجانب الساقيه القديمة... هذا البسيط لا يعرف من سبل الترفيه عن النفس الكثير سوي الجلوس ليلا علي حصيرته الوحيده امام داره ليدخن حجر معسل.. ولما يحب يتفسح يروح يقعد علي القهوه اللي علي الاسفلت يتفرج علي الناس اللي بتلعب طاوله.. عمره ما طلب مشاريب.. لكن ساعات بعض من معارفه او اقاربه يعزمه علي كوباية شاي او يدعوه للعب معه

هذا الرجل بلغ من الفقر والجهل مبلغه لذا فهو يعيش بدون طموح. لا يملك رفاهية التفكير في غد افضل. يعيش ليومه فقط لافرق بين الامس والغد.... هذا البائس رغم انه موحد بالله الا انه فقد الكثير من ايمانه. فلم يعد يفرق بين دنيا وآخره. ولم يعد يفكر في الجنه والنار ولم يعد يشغله عذاب القبر وعذاب الاخره... واصبحت هذه الاشياء مجرد احاديث مكرره تعود ان يسمعها من نفس الشيخ كل يوم جمعه منذ صغره بنمط روتيني ثابت لا يتغير لدرجة انها لم تعد تؤثر فيه.. يجلس في الخطبه ولا يسمع واذا سمع لا يفهم واذا فهم شيئا لا يجهد نفسه في التامل والتفكير فيه.. لقد فقد من ضمن الكثير القدره علي التفكير.. ومن أهم ما فقده هو احساسه بهذا الوطن.. فلا يهمه لا اصلاح ولا دستور جديد ولا فرق عنده بين مؤيد ومعارض ومستعد ان ينتخب ابن دايرته في مقابل عشوه علي صنيه فته ياكلها وينام من غير ما يغسل ايده عشان يفضل شامم ريحتها طول الليل

مشكلة عم عطيه انه وجد كل اللي حواليه تحولوا الي حيتان تنهش في بعضها ووجد نفسه في عالم يحكمه قانون الغاب لا يفرق بين طيب من شرير ولا صالح من طالح ولا نافع من ضار. كل واحد يبحث عن نفسه كله رفع شعار (الأنا) كله ترك الارض والفلاحه والغيط واشتغل في الحداقه والمفهوميه وأبجني وأأبجك

فهذا حسني باع الارض وفتح مكتب سمسار يبيع ويشتري في الخلق وكله بالعمولات
واشتري ميكروباص بيركب فيه 24 نفر مع إن 12 كفايه
وهذا فتحي ترك الفلاحه واشتغل عرضحالجي بيستغل الغلابة عامل فيها محامي أمين وضميره من زمان مات
وهذا صفوت اصبح محيي افراح وليالي ملاح وبعد نص الليل فيه تظبيطات
وهذا ابن الشاذلي بقي فتوه وفارض اتاوه علي البلد كلها وظابط النقطه حبيبه فيه بينهم تربيطات
كله اتعلم الفهلوهانت يا عم عطيه ابوك السقا مات
مشكلة عم عطيه انه مش عارف يبقي زيهم ويمكن مش عايز يكون زيهم.. هو عارف انهم وحشين وفاكر انه كويس.. لكن اللي ما تعرفوش يا عطيه ان جريمتك اكبر من جريمتهم لانك ساكت.. واللي ساكت يبقي مطاطي.. وربنا لما خلقك خلي راسك فوق مش تحت يا عطيه

هذا المسكين هو اكبر خساره لهذا الوطن.. نعم ايها الساده هذه هي الخساره الفادحه.. افدح من سلطان جائر وحكم ظالم.. افدح من قانون الطوارئ ومن خطر الارهاب.. افدح من قمع الحريات ومن زوار الفجر.... افدح من بطالة يائسة ومن شباب فقد حماسه.. افدح من الأمركة والعولمة والتطبيع

ايها السادة نحن امام جريمة في حق هذا الوطن.. جريمة كلنا مسئولون عنها.. انا وانت وهو وهي وكلنا.. لاننا اكتفينا بالمشاهدة ومصمصة الشفايف.. وقفنا موقف المتفرج وتركنا عم عطيه يغرق ويضيع وتضيع معه هويتنا واحلامنا وكرامتنا وحاجات تانية كتير